responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 230
اخْتِلَافِهِمْ، بِمَا يَمْتَازُ الْمُحِقُّ مِنَ الْمُبْطِلِ وَالْمُصِيبُ مِنَ الْمُخْطِئِ الثَّالِثُ: أَنَّ تِلْكَ الْكَلِمَةَ هِيَ
قَوْلُهُ: «سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي»
فَلَمَّا كَانَتْ رَحْمَتُهُ غَالِبَةً اقْتَضَتْ تِلْكَ الرَّحْمَةُ الْغَالِبَةُ إِسْبَالَ السَّتْرِ عَلَى الْجَاهِلِ الضَّالِّ وَإِمْهَالَهُ إِلَى وَقْتِ الْوِجْدَانِ.

[سورة يونس (10) : آية 20]
وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (20)
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ هُوَ النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنْ شُبُهَاتِ الْقَوْمِ فِي إِنْكَارِهِمْ نُبُوَّتَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ الْقُرْآنَ الَّذِي جِئْتَنَا بِهِ كِتَابٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنَ الْكَلِمَاتِ، وَالْكِتَابُ لَا يَكُونُ مُعْجِزًا، أَلَا تَرَى أَنَّ كِتَابَ مُوسَى وَعِيسَى مَا كَانَ مُعْجِزَةً لَهُمَا، بَلْ كَانَ لَهُمَا أَنْوَاعٌ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ دَلَّتْ عَلَى نُبُوَّتِهِمَا/ سِوَى الْكِتَابِ. وَأَيْضًا فَقَدْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَدَّعِي إِمْكَانَ الْمُعَارَضَةِ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هَذَا [الْأَنْفَالِ: 31] وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَا جَرَمَ طَلَبُوا مِنْهُ شَيْئًا آخَرَ سِوَى الْقُرْآنِ، لِيَكُونَ مُعْجِزَةً لَهُ، فَحَكَى اللَّه تَعَالَى عَنْهُمْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:
وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَأَمَرَ اللَّه رَسُولَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ هَذَا السُّؤَالِ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَجْهَ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: أَقَامَ الدَّلَالَةَ الْقَاهِرَةَ عَلَى أَنَّ ظُهُورَ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ مُعْجِزَةٌ قَاهِرَةٌ ظَاهِرَةٌ. لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَيَّنَ أَنَّهُ نَشَأَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَتَرَبَّى عِنْدَهُمْ، وَهُمْ عَلِمُوا أَنَّهُ لَمْ يُطَالِعْ كِتَابًا، وَلَمْ يُتَلْمِذْ لِأُسْتَاذٍ. بَلْ كَانَ مُدَّةَ أَرْبَعِينَ سَنَةً مَعَهُمْ وَمُخَالِطًا لَهُمْ، وَمَا كَانَ مُشْتَغِلًا بِالْفِكْرِ وَالتَّعَلُّمِ قَطُّ، ثُمَّ إِنَّهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً ظَهَرَ هَذَا الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ عَلَيْهِ، وَظُهُورُ مِثْلِ هَذَا الْكِتَابِ الشَّرِيفِ الْعَالِي، عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْإِنْسَانِ الَّذِي لَمْ يَتَّفِقْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَسْبَابِ التَّعَلُّمِ، لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْوَحْيِ. فَهَذَا بُرْهَانٌ قَاهِرٌ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ مُعْجِزٌ قَاهِرٌ ظَاهِرٌ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا كَانَ طَلَبُ آيَةٍ أُخْرَى سِوَى الْقُرْآنِ مِنَ الِاقْتِرَاحَاتِ الَّتِي لَا حَاجَةَ إِلَيْهَا فِي إِثْبَاتِ نُبُوَّتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَتَقْرِيرِ رِسَالَتِهِ، وَمِثْلُ هَذَا يَكُونُ مُفَوَّضًا إِلَى مَشِيئَةِ اللَّه تَعَالَى، فَإِنْ شَاءَ أَظْهَرَهَا، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُظْهِرْهَا، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْغَيْبِ، فَوَجَبَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَنْتَظِرَ أَنَّهُ هَلْ يَفْعَلُهُ اللَّه أَمْ لَا؟ وَلَكِنْ سَوَاءٌ فَعَلَ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ، فَقَدْ ثَبَتَتِ النُّبُوَّةُ، وَظَهَرَ صِدْقُهُ فِي ادِّعَاءِ الرِّسَالَةِ، وَلَا يَخْتَلِفُ هَذَا الْمَقْصُودُ بِحُصُولِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ وَبِعَدَمِهَا، فَظَهَرَ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ جَوَابٌ ظَاهِرٌ فِي تَقْرِيرِ هَذَا المطلوب.

[سورة يونس (10) : آية 21]
وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21)
فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّ القوم لما طلبوا مِنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةً أُخْرَى سِوَى الْقُرْآنِ، وَأَجَابَ الْجَوَابَ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ [يونس: 20] ذَكَرَ جَوَابًا آخَرَ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَتَقْرِيرُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ عَادَةَ هَؤُلَاءِ الْأَقْوَامِ الْمَكْرُ وَاللَّجَاجُ وَالْعِنَادُ/ وَعَدَمُ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 230
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست